متى كانت المحكمة قد استخلصت من مناقشة الشخص المطلوب توقيع الحجر عليه أنه مضطرب في أقواله وأن حالته ليست من التوازن والاستقرار بما يبعدها عن الغفلة مما مفاده أن المحكمة رأت من حالته أن كل ما به لم يكن إلا ضعفاً في بعض الملكات الضابطة وهي ملكات حسن الإدارة وسلامة التقدير مما يحتمل معه أن يغبن في تصرفاته بأيسر وسائل الانخداع مما قد يهدد أمواله بخطر الضياع وتلك هي حالة ذي الغفلة، فإنها إذ قضت بتوقيع الحجر عليه لا تكون قد خالفت القانون، ولا يؤثر على ذلك المصدر الذي استمدت منه المحكمة الدليل على الغفلة، ذلك أنه وإن كانت التصرفات التي تصدر من الشخص هي في الأصل المصدر الذي تستمد منه الدليل على الغفلة إلا أنه لا مانع من أن تستمد هذا الدليل من مناقشة المطلوب الحجر عليه أمام المحكمة بغض النظر عن تصرفاته[الطعن رقم 5 - لسنة 24 ق - تاريخ الجلسة 23 / 12 / 1954 - مكتب فني 6 رقم الجزء 1 - رقم الصفحة 386 ]
الغفلة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي ضعف بعض الملكات الضابطة في النفس ترد على حسن الإدارة والتقدير ويترتب على قيامها بالشخص أن يغبن في معاملاته مع الغير. وإذن فمتى كانت التصرفات التي أخذ الحكم المطعون فيه الطاعنة بها إنما ترددت بينها وبين ولديها يحدو الطاعنة فيها طابع الأمومة بما جبلت عليه من العطف والرعاية تبعاً لما تستشعره هى تلقاءهما من أحاسيس الرضا والغضب دون أن يكون في تباين هذه التصرفات معهما أو مع أي منهما مظهر من مظاهر الاضطراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك، وكان البيع الصادر من الطاعنة لأحد ولديها قد بررته هى - على ما ورد في الحكم المطعون فيه بأن ابنها المتصرف إليه قد أدى عنها جميع الديون التي خلفها لها ابنها الآخر وقت وكالته، فإن قيام هذا الاعتبار لدى الطاعنة من شأنه أن يدفع عن هذا التصرف شبهة الاستئثار أو التسلط عليها مما ينأى به عن مجال الغفلة سواء كان الثمن المقدر للمبيع أقل من قيمته الحقيقية أو كان البيع قد حصل تبرعاً من الطاعنة لولدها المذكور طالما أنها لم تصدر في هذا التصرف إلا عن مصلحة تراها هي جديرة بالاعتبار، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد استند في قضائه بتوقيع الحجر على الطاعنة للغفلة على أساس مخالف للقانون مما يستوجب نقضه[الطعن رقم 4 - لسنة 27 ق - تاريخ الجلسة 29 / 1 / 1959 - مكتب فني 10 رقم الجزء 1 - رقم الصفحة 113 ]
إن الغفلة لا تخل بالعقل من الناحية الطبيعية وإنما تقوم على فساد التدبير وترد على حسن الإدارة والتقدير، وهي على هذا الوصف وإن كان يرجع في إثباتها أو نفيها لذات التصرفات التي تصدر من الشخص إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من أن تستمد محكمة الموضوع أيضاً الدليل إثباتاً ونفياً من أقوال المطلوب الحجر عليه في التحقيقات ومن مناقشتها له فإذا ما كشفت هذه الأقوال عن سلامة الإدراك والتقدير أمكن الاستدلال بها على انتفاء حالة الغفلة دون أن يؤخذ على هذا الاستدلال الخطأ في مفهومها أو في تطبيق هذا المفهوم[الطعن رقم 10 - لسنة 26 ق - تاريخ الجلسة 9 / 1 / 1958 - مكتب فني 9 رقم الجزء 1 - رقم الصفحة 76 ]